[color=indigo][[size=12]center]مقطوع من شجرة[/center]
كانت الدنيا أول الشهر وعلى أبواب عيد عندما وضعت لفافتي في فمي و محفظتي في جيبي وخرجت من البيت أتجول في شوارع لمدينة سعيداً بما تبقى من راتبي وعروبتي وراضٍ كل الرضا عن كل شيء فوق هذه الأرض العربية الطاهرة من القاهرة حتى سلطنة عمان.
عن الفقراء والأغنياء.
عن الصحاري المجدبة والسهول المقفرة.
عن المسرح القديم والمسرح الدوار.
عن التجارب الأدبية والتجارب النووية.
عن البيض و الزنوج.
و الأطباء والمرضى.
والقضاة والمتهمين و المحامين.
عن هدير الشاحنات و هدير الشعوب.
عن اليمين و الوسط و اليسار.
ومسيرات التنديد و التأييد و الاستنكار.
بل وشعرت في لحظة من اللحظات وأنا أتوغل في الشوارع بعيداً عن بيتي عائلتي بنفحة صوفية تقربني من العالم أجمع، حتى لم اكن أتمنى في تلك اللحظة سوى أن تكون معي زجاجة أو بطحة على الأقل من الماء المقدس لأرشها على رؤوس المارة فرداً فرداً كأي مبشر أو قديس يفخر في الماضي و يسعد بالحاضر و يثق في المستقبل .
وفجأة اعترضت طريقي جمهرة من الناس تتفرج على شجار محتدم بين شخصين رهيبين منفرين ،بسبب أولوية المرور في شارع ضيق لا يكاد يتسع لسيارتهما الفارهتين المتقابلتين . وقفت مضطراً أتفرج مع المتفرجين وأسمع من السامعين ما يتبادله الاثنان من اتهامات و شتائم و تهديدات تتضمن تلميحاً وتصريحاً أسماء الأشخاص و الجهات الداعمة لكل منهما . ويبدو أن أكثر من عابر سبيل وفاعل خير حاول قبل مجيئي أن يقرب وجهات النظر فيما بينهما ويقوم بدور تشاشيسكو بين سيارتيهما فلم يفلح ، ولما وجدت الصحف و المجلات متناثرة على مقاعدهما الخلفية أيقنت أنهما مثقفان و لابد أن يكونا مطلعين على اسمي من قبل .
ولذلك تقدمت منهما وسط إعجاب المتفرجين وقلت أنا فلان .
فقال أحدهما: طظ!
فأجبته و قد امتقع وجهي من الخجل و الخوف : عظيم . سنرى.
ومضيت مبتعدا عنه و ولكنه سرعان ما لحق بي حتى اعترض طريقي بقامته العملاقة و قال و هو يرقص عضلات ذراعيه كحواجب الراقصات :
خاصة عندما رأيت بأم عيني تراثه الثقافي واضحاً للعيان من تحت سترته :إنني لا أهددك بشيء .إنني مجرد مواطن ، عابر سبيل.
ولحقني مرة أخرى وقال: كذاب. أنا ورائي فلان و فلان . ومعي فلان و فلان . فمن وراؤك أنت ومن معك؟
فقات له حسناً ، وأنا لست مقطوعاً من شجرة، ورائي الشعب و آلاف القراء, ومعي روماتيزم و ضيق تنفس ،و التهاب أذن و التهاب مفاصل ، وموعود قريباً بانهيار عصبي.
[left]محمد الماغوط[[/left[/color]]/size]
كانت الدنيا أول الشهر وعلى أبواب عيد عندما وضعت لفافتي في فمي و محفظتي في جيبي وخرجت من البيت أتجول في شوارع لمدينة سعيداً بما تبقى من راتبي وعروبتي وراضٍ كل الرضا عن كل شيء فوق هذه الأرض العربية الطاهرة من القاهرة حتى سلطنة عمان.
عن الفقراء والأغنياء.
عن الصحاري المجدبة والسهول المقفرة.
عن المسرح القديم والمسرح الدوار.
عن التجارب الأدبية والتجارب النووية.
عن البيض و الزنوج.
و الأطباء والمرضى.
والقضاة والمتهمين و المحامين.
عن هدير الشاحنات و هدير الشعوب.
عن اليمين و الوسط و اليسار.
ومسيرات التنديد و التأييد و الاستنكار.
بل وشعرت في لحظة من اللحظات وأنا أتوغل في الشوارع بعيداً عن بيتي عائلتي بنفحة صوفية تقربني من العالم أجمع، حتى لم اكن أتمنى في تلك اللحظة سوى أن تكون معي زجاجة أو بطحة على الأقل من الماء المقدس لأرشها على رؤوس المارة فرداً فرداً كأي مبشر أو قديس يفخر في الماضي و يسعد بالحاضر و يثق في المستقبل .
وفجأة اعترضت طريقي جمهرة من الناس تتفرج على شجار محتدم بين شخصين رهيبين منفرين ،بسبب أولوية المرور في شارع ضيق لا يكاد يتسع لسيارتهما الفارهتين المتقابلتين . وقفت مضطراً أتفرج مع المتفرجين وأسمع من السامعين ما يتبادله الاثنان من اتهامات و شتائم و تهديدات تتضمن تلميحاً وتصريحاً أسماء الأشخاص و الجهات الداعمة لكل منهما . ويبدو أن أكثر من عابر سبيل وفاعل خير حاول قبل مجيئي أن يقرب وجهات النظر فيما بينهما ويقوم بدور تشاشيسكو بين سيارتيهما فلم يفلح ، ولما وجدت الصحف و المجلات متناثرة على مقاعدهما الخلفية أيقنت أنهما مثقفان و لابد أن يكونا مطلعين على اسمي من قبل .
ولذلك تقدمت منهما وسط إعجاب المتفرجين وقلت أنا فلان .
فقال أحدهما: طظ!
فأجبته و قد امتقع وجهي من الخجل و الخوف : عظيم . سنرى.
ومضيت مبتعدا عنه و ولكنه سرعان ما لحق بي حتى اعترض طريقي بقامته العملاقة و قال و هو يرقص عضلات ذراعيه كحواجب الراقصات :
خاصة عندما رأيت بأم عيني تراثه الثقافي واضحاً للعيان من تحت سترته :إنني لا أهددك بشيء .إنني مجرد مواطن ، عابر سبيل.
ولحقني مرة أخرى وقال: كذاب. أنا ورائي فلان و فلان . ومعي فلان و فلان . فمن وراؤك أنت ومن معك؟
فقات له حسناً ، وأنا لست مقطوعاً من شجرة، ورائي الشعب و آلاف القراء, ومعي روماتيزم و ضيق تنفس ،و التهاب أذن و التهاب مفاصل ، وموعود قريباً بانهيار عصبي.
[left]محمد الماغوط[[/left[/color]]/size]